Wednesday, December 24, 2008

فى وادى العشاق ( قصة قصيرة )ـ








فى وادى العشاق ( قصة قصيرة )ـ



لم يكن لى فى الدنيا سواكِ ولن يكون لى احد سواكِ يملأ هذه الأيام الخاوية ، لقداكتشفت بعد رحيلك ان الدنيا كلها رحلت معك .. رحلت بضجيجها وصخبها وأفراحها حتى اضوائها المتلئلة خفتت بل ذهبت دون رجعة .. ولم يبقى سوى شيئا واحداً ذكراك وايامك ولحظات كانت معكِ هى كل تاريخى .. اين ذهبت ؟ ولِما ذهبت ؟ .. إن كل شئ حولى اصبح بشعا ، الوجوه كالحة والأماكن مخيفة والأصوات ضجيج يمزق الصمت .. انى الأن لا اسمع اصواتا غير صوتك ، ما اروع هذا الصوت .. لم يكن مجرد صوتا رقيقا لفتاة. ابداً لقد كان موسيقى تتناثر فتملأ الدنيا حياة ، كان اروع اعزوفة من مجموعة الآت الكمان تعزف لحن العشق والحب والجمال.. كان اكثر الأصوات حزنا من صوت الناى واكثرها فرحة من صوت الجيتار.. هكذا كان صوتك موسيقى والحان.. اين هو الأن مضى مثلما كل شئ جميل يمضى ويمر على ايامنا فى ثــوان معدودة .. وبقيت الذكريات 0 عندما كنت اراقب هذا الجمال فى صمت .. اتذكر كم من المرات وانت تحاولين اصطناع المواقف لتجعلينى اتكلم وربما يطول الكلام بيننا ، ولكنى كنت اصمت وتحاولين مرة اخرى وكأنك تقولى .. تكلم يا حجر وابداً يا حبيبتى ما كنت حجراً ،، لقد كنت اعتصر حزنا من حبك ..كنت اُجن من لهفتى عليك ، حتى جــاء هذا اليوم .. الذى إنقطع فيه تيار الكهرباء ونحن سويا فى المصعد .. انا وانتى وحدنا فى هذا المكان الضيق وساد الصمت والظلام حولنا إلا شعاعا بسيطا نفذ عبر زجاج الباب الخارجى ، لم انسى هذه الرجفة وانت تُلقى بكِ كلك بين احضانى ورأسك على كتفى وانفاسك تتهدج من الخوف وذراعى تضمك فى عنف وكأنها تحميك من قنابل هنود حمر قادمة وهى تدق الطبول اليك لتأخذك لها ، ولأول مره اقترب وجهك منى ورأيت وجها رائع السمات مليئا بالمرح بالحنان بالبراءة بالحب وهمستى فى اذنى انا خائفة والقيتى برأسك فوق كتفى وهمست لكِ .. لا تخافى فأنا معك .. ثم نظرتِ لى نظرة كلها توسل وكأنك تقولى بها احمينى بين احضانك واحسست بكل هذا الحب وانتى تبالغين فى عناقى وربما بالغت انا ايضا.. وكم تمنيت ان تقف عجلة الزمن فى هذه اللحظة وقرُبت شفتاى من اُذنك وهمست فى حنو .. احبك ، فإبتسمتى فى رقة وهمستى لى .. وانا اعبدك ..لماذا لم تتكلم قبل ذلك ؟. فقلت هامسا.. كنت اراكِ نجمة غالية فى السماء ممنوعة من الإقتراب او اللمس ، وكيف لهذه النجمة ان تتواضع لأحد أبناء الأرض وترضى بالحياة معه فوق اديمها .. وقلتِلى يومها وقد اطلت من عينيكِ نظرة عتاب . . اذا كنت انا نجمة فأنت السماء التى تضم هذه النجمة ولولاها لسقطت.. انت سمائى التى تضُمنى ..لعلك فهمت ، وابتسمنا وبوغتنابعدها بمجئ تيار الكهرباء وامتلئ هذا المكان الضيق الذى شهد حبنا بالنور ..نور الحب .-.ومنذ هذا اليوم ارتبط كلامنا بالآخــر.. اصبح يعيش فى دمه فى شريانه ، كان كلا منا اقرب للآخر من نفسه .. اتذكر عندما كنا نرسم الأحلام والآمال لإثنين .. انتى وانا ونقيسالمستقبل على اثنين .. انتى وانا ، كنا روحا واحدة فى جسدين ، كنتِ دائما تقولى لى .. إن حبنا اقوى من قوانين الطبيعة بل انه يستطيع ان يخرق كل القوانين بقوته .. ان يتحدىالموت نفسه ، حتى جــاء هذا اليوم.. عندما اجتمع الآصدقاء لمناقشة كيف سيخبروننى بهذ النبأ ، كانو يخافون على من الإنهيار.. ثم قرروا المجئ وإخبارى بأى شكل من الأشكال.. وقالو فى خوف من صدى هذا الخبر .. << لقد رحلت حبيبتك>> ..لم ابك ولم انهار كما توقعو لى بذلك .. انهم مجانين ، لا يعرفون انك مازلت تعيشين فى دمى ، فى شريانىوالى هذه اللحظة انا اتكلم معك واهمس فى اُذنك .."احبك" ، انهم لا يعلمون ان هذا الحب اقوى من قوانين الطبيعة ، بل انه يستطيع ان يخرق كل القوانين بقوته .. ان يتحدىالموت نفسه ، هكذا كانت تقول لى
دائـمــــــــــــا
..
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-

Wednesday, December 17, 2008

تلك الآيام . .






تلك الأيام تبقى دائما فى مخيلتنا .. لاننساها .. لا نستطيع ان ننساها ..


.. ودائما ما يبقى شذى ذكرياتها داخلنا تعانقنا فى وقتنا الحالى فتهون كثيرا علينا


وماذا لو عادت هذه الأيام من جديد وماذا لو بأيدينا و بضغطة زر ان نبعث الروح فيها . . أن نجعلها تجئ


وتتجسد امامنا واقع ملموس .. جميلة تلك الايام .


هذه خاطرة كنت كتبتها للنشر وهى بالعامية لسياسية الجريدة ليس اكثر



أحمد ..........



*********************************************************

............. تلك الأيام
كان ممكن يحصل ايه لو كانت حياة كل واحد فينا شريط لفيلم سينما ولنا مطلق الحرية ان نُعيد مشاهدة فيلمنا من اى نقطة بدء ، ونختار اللحظة الحلوه ونعملهاstop .. نجمدها ، لأنها مش حاتكرر تانى ، اما اللحظة المُره نرميها .. نعملها مونتاج ، وياسلام لو بضغطة زر نِرجع الشريط من الأول .. ونعيد الحياة من الأول .. نتولد من جديد ونوأوأ من جديد ونشوف الدنيا بنفس النظرة اللى كنا شايفنها لما كنا صغيرين ..ايام ماكنا نضحك يضحك لنا القمر ، وياسلام كمان لو ناخد من الحياة القديمة خبرات السنين والعقلية الناضجة اللى فهمت الدنيا على حقيقتها لتفادى مطبات الحياة المُعادة .. لكن السؤال فيلمنا الجديد المعاد صياغته ده حاينجح بعد كده ، ونجاحه حايكون نجاح تجارى ولا فنى بمعنى لو نجاح تجارى من اللى هدفه فى المقام الأول شباك التذاكر انك حاتكون من النوع اللى عاش مشوار الحياة من والى الفلوس لا غير .. يعنى لااهداف نبيلة ..لا انجازات حد يفتكرك بيها ولاسيرة طيبة . ولا حايكون نجاح فنى من اللى بيشيد بيه النقاد ويدخل مهرجانات وياخد جوايز ويخلد فى ذاكرة السينما بعد كده وده بمعنى انك حاتكون من اصحاب السيرة والمسيرة الطيبة اللى الناس بتحلف بيها وبالمبادئ اللى عشت تحارب عشانها ولا يوم اتخليت عنها ، عشان الحياة تمشى ، لكنك عشتها كحيان .. صدمان .. فقران برغم اشادة النقاد .. اقصد الناس بحياتك ، لكن فيلمك لم يحصد اى ايرادات تُذكر ، ( فشل يعنى ) ..!! وكان فى سؤال آخر .. هو مين كاتب السيناريو ..؟ احنا ولا الأقدار والنصيب ولا بيبقى جاى جاهز من فوق مكتوب بكل تفاصيله وماعلينا إلا نصوره ، بس ياترى لنا الحق ان احنا نعدل مشهد مش عاجبنا او مش حاسينه او نعيد مشهد اداءنا فيه كان ضعيف ومهزوز ، ولا ملناش الحق ده .. والأهم من كل ده وده .. الدور اللى حناخده حايكون بطولة مطلقة ولا يدوب صديق البطل ولا تبقى خيبة لو كان كومبارس ، وتزداد الخيبة لو كان كومبارس صامت ، وياترى الفيلم لما يتعرض حاينجح ولا حايتسحب قوام قوام من دور العرض لصالح فيلم تانى يجيب ايرادات .


Sunday, December 7, 2008

ولم ينطفئ حبك ((4)) ــ




فى الواقع هذا الجزء هو دمج بين للجزء الرابع والخامس ..ربما


قد اغيب لفترة قصيرة عن المدونة .. ولهذا اعذروا طول هذا البوست

تحياتى

********************


وجلس على احد المقاعد العامة يرتاح من الجرى وكانت بجواره تجلس سيده عجوز بدا على ملامح وجهها علامات طيبة ووقار.. مما يبدو انها ليست من هواة السباق والجرى وهذا الايقاع السريع التى تتسم به امريكا..واندهش وهو يقول فى نفسه....غريبة انه لم يرى احداً جالسا منذ حطت قدماه ارض امريكا،، حتى وهو يسير يشاهد البائعين فى الحوانيت كان يراهم وقوفا دائما..وسألها نفس السؤال فأجابته فى حبور ووصفت له الميدان وكان قريبا الى حد ما من مجلسهم .. ثم سألها فى بساطة عن فندق رخيص يقيم فيه لليلة واحدة حتى يسافر فى الغد الى لوس انجلوس.. وابتسمت له فى بساطة وكأنها تعرفه منذ زمن واعطته عنوانا لفندق رخيص فى شارع 8 وارتاح يحيى لبساطتها وبشاشة وجهها واخذهم الحديث عن المجتمع الامريكى وعن امريكا وهو يحكى لها.. انها المرة الاولى التى يغادر فيها بلده .. المرة الاولى التى يرى فيها امريكا.. وهو متخوف ..متخوف جداً منها فما رآه فى الساعات الاولى من وصوله لها لا يطمئن .. ولولا الدراسة لما كان يجرؤ ان يفكر ان يأتى اليها ابداً ..واستمر الحديث بينهما فى ود بالرغم من ان بعض الكلمات قد تمر على اذنيه لا يفهمها ..وعرف عنها انها انجليزية تقيم فى امريكا منذ خمس وعشرين سنة تبيع الصحف والمجلات فى هذا الميدان لتساعد زوجها.. انه بائع متجول .. وعندما ينتهى من عمله يأتى لها ويعودا سويا الى منزلهم الصغير. وليس لهم اولاد ولكنهم يؤمنون بأن القدر منحهم نعمة اجمل من الأولاد .. منحهم الحب.. انهم احبوا بعضهم وفاض حبهم على الناس فأحبهم الناس.. إن كل من يعرفهم يحبهم.. وهذه نعمة لا تقدر بثمن، وابتسم يحيى لها وهو يقول فى اعجاب
- فعلا.. انها نعمة لا تقدر بثمن،، ان لدينا مقولة فى نفس هذا المعنى تقول..من احبه الله جعل كل الناس من حوله يحبونه، وشكرته العجوز على مجاملاته فى ابتسامة تكسوها طيبة وقالت كأنها تؤكد له شيئا
- إن امريكا ليست قبيحة كما يعتقد البعض خصوصا العرب.. انا اعرف العرب جيداً ولى اصدقاء منهم كثير وايضا زبائنى منهم وهم يأتون خصيصا لى بالإسم الى ماتيلدا.. ليأخذوا منى الصحف..انى صديقتهم التى عرفوها وهم فقراء لا يملكون إلا طموحهم ولم ينسوا هذه الصداقه بعدما اصبحوا على اعتاب الثراء بل واثرياء بالفعل ..واستطردت قائلة .. سأحكى لك حكاية طريفة مستر يحيى،، كان لى زميل هنا منذ حوالى عشر سنوات او اكثر قليلا..كان عربى من سوريا يبيع الصحف ايضا ولكن على الرصيف الآخر.. ولكنه كان يتوق للثراء الى ان يصبح من اصحاب الملايين وساعده على ذلك طموحه واجتهاده واصراره على هذا الحلم .. اتعرف مستر يحيى .. كان يبيع الصحف هنا فى فترة النهار ويعمل فى المساء نادل فى احد المطاعم حتى استطاع ان يستأجر مكان صغير يبيع فيه آكلات من المطبخ السورى ولاقت هذه الآكلات هنا رواجا ونجاحا رهيبا حتى انه استأجر مكان اكبر جعله كافتريا ومطعم وزاد الاقبال عليه واشتهر هذا المطعم ..اتعلم ماذا هو الأن..؟
انه صاحب سلسلة مطاعم تقدم الآكلات الشرقية وله فروع فى اكثر من ولاية .. ومع ذلك لم ينسى صديقته القديمة ماتيلدا.. حتى انه عرض على يوما ان ادير احد هذه المطاعم،، ولكنى رفضت..... فقال لها فى تعجب
- لماذا......!
فقالت ببساطتها وابتسامه تملأ وجهها
- لأنى احب الصحف وبيع الصحف وتعودت هذه الحياة وهؤلاء الناس لا يأتون لى لشراء صحيفة فقط.. لكن ليزوروا صديقتهم ماتيلدا واستطردت.. انهم ليس زبائنى فقط مستر يحيى..لا ..انهم اصدقائى يأتون ويحكون معى عن قسوة ايامهم وافراحهم وحياتهم.. لقد احببت هذه المهنة وهذه الحياة وهى ايضا احبتنى وانا سعيدة بها ولا اريد ان اغيرها ولو اعطونى ملايين الدولارات .
وتأهب يحيى للوقوف وهو يقول فى مرح :
- انه لمن دواعى سرورى ان قابلت شخصية طيبة مثلك مدام ماتيلدا فىهذا اليوم العصيب
وإلا كنت سأفقد الثقة فى امريكا كلها من اول يوم لى هنا.
فقالت وابتسامة بشوشة تملأ وجهها
- لا داعى لفقدان الثقة مستر يحيى إن كل بلد بها الطيب وبها القبيح وامريكا بها أناس طيبون
كثير ستجدهم دائما لو بحثت عنهم.. لكن مع ذلك..إحذر لأن بها قلة شواذ عن هذه القاعدة..
وعلت ضحكته وهو يقول
- نعم.. لقد قابلت واحدا من هؤلاء القلة منذ نصف ساعة فقط..القلة الشواذ.. واستطرد وهو يحمل حقيبته مستعداً للذهاب
- تحياتى..مدام ماتيلدا اسعدت كثيرا بهذا اللقاء.
وقبل ان يذهب استوقفته وهى تنادى بإسمه
- مستر يحيى..لحظة واحدة
والتفت اليها وجدها قد سحبت صحيفة من اكوام الصحف الموضوعة امامها وطوتها ثم مدت يدها بها له،، والتقطها يحيى ثم وضع يده فى احد جيوبه واخرج ورقة مالية اعطاها اياها لكنها رفضت وهى تقول فى بشاشة:
- انها صحيفة عربية لعلك تحب ان تقرأها..اعرف انك تشتاق الأن الى اى شئ عربى
والح عليها ان تأخذ ثمنها ورفضت فى اصرار وهى تقول
- لا.. هذه هدية من ماتيلدا. عندما تأتى لى المرة القادمة وتشترى صحيفة سأخُذ ثمنها
..لا تنس ان تأتى لى وتروى اخبارك فى الدراسة مستر يحيى
وابتسم وهو يتظاهر بأنه يرفع قبعة وهمية ويحنى ظهره امتنانا لها على الطريقة الأمريكية وهو يقول:
ابدا.. لن انساكِ مدام ماتيلدا..لن انسى اول صديقة لى فى الغربه..الى اللقاء ياصديقتى .
--.--.--.--.--.--.--.--.
-
وذهب الى ميدان الحريه ووقف مبهورا امام التمثال وهذه المرأة التى ترفع بيدها الشعلة.. واخذ يروح ويجئ فى الميدان وهو ينظر للتمثال تارة ثم ينقل نظره للوجوه من حوله ليستكشف.. انه لا يزال يريد ان يستكشف.. يستكشف امريكا من وجوه شعبها ثم يعيد النظر الى التمثال وينتقل بنظره مرة اخرى الى الوجوه.. ثم توقف فجأة عندما تذكرها .. تذكر مريم .. تذكرها وهى تودعه من خلف سور المودعين وتشير بيدها علامة النصر
وابتسامتها الحلوه على شفتيها.. الإبتسامة التى تبعث فى نفسه الراحة وبكى فى صمت
وهو يخرج صورة صغيرة موضوعه فى جيب قميصه . وكانت صورة لمريم.. تُرى ماذا تفعل فى هذه اللحظة.. ؟ ماذا يجول فى خاطرها فى هذه اللحظة.. ؟ هل تبتسم..؟
هل تبكى..؟ إن بيننا الأن مسافة كبيرة جداً.. جداً يا مريم،، مسافة من اليابس والماء، يا ويلى ما كل هذا البعد.. ما كل هذه المسافة..هل هو حُلم ام حقيقة، مريم التى كنت المس يدها امس. اصبح بيننا كل هذا البعد..وخُيم الليل عليه وهوسارح فى عالم آخر ودهمه احساس بالبرد والملل فذهب الى الفندق الذى وصفته له العجوز .. فندق رخيص يدعى لايكوس واستأجر غرفة لليلة واحده على ان يغادرها فى الغد متجها الى لوس انجلوس.. ليبدأ من هناك فى رسم ملامح المستقبل ..ملامح النجاح والآمال.. واهم امل فيه زواجه من مريم
.. حلم عمره ومستقبله الجميل والنجاح الذى لن يكون له معنى إلا بها . . .
--.--.--.--.--.--.--.--.--.--.--

عادت مريم بعدما ودعت يحيى واطمأنت الى وصوله حتى سلم الطائرة والقت بنفسها على الفراش وكأنها تُلقى بعمرها كله عليه.. كانت تحس احساسا جديدا عليها.. بالوحدة بالفراغ .. احساسا بأن شيئا كبيراً ينقصها..شيئا مهما، انها تحس ان قطعة من جسدها انتزعت منها.. لقد اكتشفت بعد سفر يحيى انه مهما جدا بالنسبة لها..اهمية الماء والهواء للانسان حتى يبقى على قيد الحياة ..انها كانت تحبه وهى تعلم مدى حبها له .. لكن ثمة شئ جديد اكتشفته في هذه الليلة .. انها تحبه اكثر مما كانت تعرف .. تحبه بجنون ..لم تكن تعرف الى هذه الدرجة حبها له،، لماذا لا نعرف مقدار غلاوة من نحبهم إلا عندما يغيبوا عنا اونبعد عنهم ..وقتها فقط نكتشف ماذا هم بالنسبة لنا ..نكتشف ما قيمتهم فى قلوبنا..نكتشف انهم قطعة منا .. إن مقولة{ البعيد عن العين ..بعيد عن القلب} مقولة خاطئة ، ابدا.. انه قريب،، قريب جدا بل اكثر اقترابا .. وسرحت بخيالها فى طفولتها ومراهقتها وشبابها وانطلاقها مع يحيى ..انها لم تفكر ابدا ان يأتى يوم ويفترقا هكذا .. ويصبح كلا منهم فى مكان بعيد عن الآخر .. هو فى آخر بلاد العالم .. وهى وحيدة هنا ، انها تشعر انها وحيدة يتيمة بدونه .. ماهذا ..؟ انه لم يمر سوى ساعات ..كيف ستتحمل ثلاث سنوات .. يا رب ثلاث سنوات من البعد ، وبكت .. بكت كثيرا عندما اكتشفت انها ضعيفة بدونه .. انها كانت تستمد قوتها منه .. تستمد ثقتها فى نفسها وفى جمالها منه .. انها لم تشعر انها فتاة جميلة إلا منه. . هو اول من اشاد بجمالها وجمال عيونها..كان دائما يقول لها .. ان فىعينيكِ بريق تخشى اى عيون ان تقف امامه يا مريم.. وسحبت الغطاء عليها وحاولت ان تنام . . حاولت كثيرا. لكن ابدا ، انها تعرف جيداً ان النوم لن يأتيها فى هذه الليلة ..ومدت يدها وادارات مفتاح الراديو الموضوع بجانبها وانطلق منه اغنية لعبد الوهاب سمعتها مرة من يحيى يشدو بها .. انه كان يحب دائما الاغانى القديمة عن الحديثة وشردت مع كلمات الأغنية وهى تسمع مقطع منها يقول ( وكم من فجر صحيته وصحانى على عهودى وحتى العين فى غفلتها بتصحى دموعها فى خدودى تسبح فى الفضا شاغل شغلنى.......) واغلقت الراديو ورعشه على يديها ودمعه تسيل فى زحف على وجنتيها .. انها لم تحتمل ان تسمع كلمات هذه الأغنية التى اعادتها اكثر ليحيى واثارت زكرياتها معه وعادت تئن على فِراشها كعصفور جريح بعدما اخرجت صورة صغيرة من درج مكتبها.. اخذت تنظر فيها مليا.. وكانت صورة يحيى..

--.--.--.--.--.--.--.--.--.--.--
استيقظ يحيى فى صباح اليوم التالى فى غرفته بفندق لايكوس الساعة الثامنة متكاسلا..واحس بجسده متعبا من السفر فرفع سماعة التليفون وطلب من موظف الإستقبال ان يحضر له وجبة الإفطار فى الغرفة ثم تذكر ا ن يطلب منه معرفة موعد اول طائرة متجهة الى لوس انجلوس ..وترك الموظف السماعة للحظات ثم عاد يقول..ان اول طائرة للوس انجلوس ستقلع فى الرابعة والنصف ..وجلس فى الشرفة يحتسى الشاى بعد تناوله الافطار وهو يضع امامه بعض الكتب العلمية التى أتى بها معه واخذ يتصفحها حتى يحين موعد اقلاع الطائرة.. مازال هناك وقتا طويلا على ميعاد الطائرة..فليقتل هذا الوقت فى القراءة..ولكنه لا يستطيع ان يقرأ.. ان عقله مازال بعيداً مشدوها شارداً لا يقوى على تحمل قراءة سطور الكتاب الذى يحمله.. ان عينه تمر فقط على السطور دون استيعابها.. لعل الصدمة مازالت تلفه وتطمس عقله.. صدمة الغربة.. صدمة ان يكون غريبا فى بلد غريب.. صدمة البعد عن الأهل والأحباب.. صدمة الوحدة فى هذا البلد التى لايعرف فيها احد ولا صديق له فيها وهو لم يتعود ابدا ان يكون غريبا او بعيدا عن احبائه او وحيداً ليس له اصدقاء.. اوه.. لا، لقد اصبح له صديقة بالفعل .. العجوز ماتيلدا..ولكن ماذا يفيد انها فى نيويورك وهو سيغادرها اليوم، وبين نيويورك ولوس انجلوس مسافة لايستهان بها.. وابتسم فى نفسه وهو يقول: ما هذه المسافات.. حتى فى البلد الواحد مسافات، وحاول ان يقنع نفسه بأن الأيام الأولى له هنا ستأخذ هذا الأحساس.. انه احساس طبيعى.. ومن المؤكد سيتعرف على اناس وعلى عرب..ثم انه قرأ احصائية ذات مرة تقول ان نصف العرب فى امريكا يقيمون فى ولاية كالفورنيا.. لابد انه سيجد عرب معه فى الجامعة يدرسون او يستعدون للدكتوراه مثله.. ثم ارتاح فى جلسته والقى برأسه للخلف مستنداً على الكرسى ناظراً الى الشارع من خلال سور الشرفة.. وقد بدا امامه اناس كثيرون يخطون فى خطوات سريعة.. دائما الإيقاع السريع.. انه سمه من السمات الاساسية لامريكا.. السباق.. سباق مع الزمن ثم حول نظره الى السماء وشرد طويلا وتجسمت فى خياله احلام غده .. واسترسل فى هذه الاحلام.. سيواكب هذا الايقاع فى دراسته.. السرعه والانجاز، لو يستطيع ان يختصر السنوات الثلاث فى سنتين او سنة واحدة لكن افضل.. انه ليس من عشاق امريكا ولا من عشاق ان يحمل لقب مغترب.. لن يذهب وقته وتفكيره إلا فى الدراسة..سيعود وهو يحمل لقب دكتور .. انه شرط مريم وابتسم ابتسامة هادئة عندما تذكرها وهى تقول له .. " اطمئن ستعود وتجدنى فى انتظار الدكتور يحيى.." لابد ان اعود دكتور من اجلك يا مريم.. لن اخذلك..انتتظرى عودة الدكتور يحيى ..استاذ الفيزياء، لكن .. ان التدريس فى حد ذاته لا يرضى الطموح.. لعل لقب باحثا فى العلوم الفيزيائية وواضع نظريات يرضى هذا الطموح اكثر.. ان الابحاث العلمية هى التى ستُخلدك اكثر.. كم مدرسا يدرسون فى الجامعات..؟.. كثير.. كثير جدا بل ربما اكثر مما تحتاجه الجامعات .. ولكن كم باحثا وكم عالما يُشار اليهم بالبنان.. قليل ، ستكون باحثا ..باحثا مجتهداً دؤوبا وعالما فى تخصصك.. ووقتها اكبر الجامعات ستتهافت عليك وتطلبك للتدريس بها .. هكذا تصبح دراستك انجح.. تصبح مميزاً ، لا مجرد استاذ يلقى محاضرات وانتهى الأمر.. .. وافاق من استرساله فى تخيلات غده ونظر الى الساعة المثبتة فى الحائط ، اوه .. انها الثانية .. يجب عليك ان تذهب الى المطار الأن . فمن الأفضل ان تنتظر باقى الوقت هناك

********************************