Thursday, June 26, 2008

خيط رفيع ( مقال )ـ







......خيط رفيع

كان الفيلسوف نيتشه يدعو الناس بأن يعيشوا فى الخطر دائما .. كأن يعيشوا عند قمم البراكين
التى تهتز وترتجف استعدادا لسيول من النيران المندفعة بقوة تحطم كل ما امامها وطبعا النتيجة معروفة من حياة مثل هذه ، والمغذى من مقولة نيتشه والعهده على الراوى هو أن تشعر اللحظة التى تكون فيها مُعلق بين الحياة والموت هذا الخيط الرفيع وان تكون اختارت بنفسك الطريقة التى تموت بها او بمعنى آخر أن يكون لك رأى فى النهاية .. نهايتك طبعا ولا ان تكون جالس متوجس ومتخوف ومترقب تلك النهاية ولعل هذا الكلام ينافى عبارة ( ولا ترمى نفسك فى التهلكة ) ويطابق على الوجه الآخر عباره يرددها الكثير منذ زمن وهى ( وقوع البلاء ولا انتظاره) ..فالانتظار صعب وممل ومخيف إذا ماكان لكارثه او شئ غير محبب ، وقد يطول الانتظار فتصبح الحياة سلسلة من التوجس والترقب والخوف والعدم ، فما معنى الحياة إذا فقدت أهم خصائصها وهى أن تحياها.. قرأت ذات مره قصة للأديب احسان عبد القدوس تدور حول هذا المضمون وكانت قصة (كل شئ قبل أن يفوت العمر) وفيها بطل القصة عبد الجليل الموظف الذى احيل الى المعاش وقد وجد نفسه بعدها يستسلم لخواطر الموت ويسائل نفسه متى النهاية وهل ستكون الجنة ام النار مستقره الأبدى بعد ذلك ، ثم ماذا سيكون حال عائلته من بعده ..زوجته وابنه وابنته هل ستهتز بهم الحياة بعد يُطرد منها ، هل ستستمر بهم العيشة الهنيئة ، وظل مستسلم لهذه الخواطر حتى اذا بادره شبهة مرض تخيل نفسه وكأنه على مقربة من الموت فيصلى كثيرا ويذكر الشهادتين وينتظر الكلمة الاخيرة للقدر ، ولكنه لا يموت وتأتى شبهة مرض جديدة فيكرر الصلاة وذكر الشهادة من جديد ، وتصبح حياته عبارة عن إنتظار طويل ..لاشئ سوى الإنتظار ، فيقرر ان يُسجل توكيل عام لزوجته لتتصرف فى ممتلكاته من بعده ويكون لها الحق فى كل شئ من بعده حتى يبعدها عن الاجراءات المعقده ، واعد اعلان نعيه فى الجريده ودفع ثمنه واستسلم ايصالا بذلك اعطاه لزوجته ، واصبحت عائلته تشفق عليه من تصرفاته ، ولكن العمر يمتد به ، ويحدث ان تتوفى زوجته وتسافر ابنته لإحدى دول الخليج مع زوجها ثم يلحق بهم بعد فترة ابنه .. ويظل هو وحيداً فى حيرة من الذى سيسلمه ايصال نشر النعى فى الجريدة بعد وفاة زوجته وسفر اولاده .. ويظل راقدا على الفراش لا يفعل شئ سوى هذا الانتظار وهذا القلق وهذه التعاسة التى تسيطر عليه الذى يسطير عليه الى آخر احداث القصة .. انها حالة غريبة مضادة للعبارة التى يطلقون عليها البوذيون (النرفانا) .. وهى موت الجسد وحياة الروح .. انه النقيض .. انه روح ميته بجسد حى
وهذا النموذج من الناس وهم كثير يشغلون تفكيرهم فيما ابعد من قدميهم ينظرون للغد مع انه لم يأتِ بعد .. وينظرون للأسبوع القادم والشهر القادم والسنة القادمة ولا يفكرون للحظة فى يومهم الذى لم ينتهى بعد .. ان هذا ما يؤكده ديل كارينجى فى كتابه المشهور "دع القلق وابدأ الحياة" فيقول ( اذ اردت ان تتجنب القلق فإفعل مافعلع سير وليم اوسلر.. عيش فى نطاق يومك ولا تقلق على المستقبل ، عش اليوم حتى يحين وقت النوم ) والانسان المؤمن يقول دائما المستقبل بيد الله .. ولعل خير وسيلة لتجنب تعاسة التفكير فى كل ماهو بعيد ..ان تُشغل انفسنا بشئ نحبه .. نقرأ ..نتدرب .. نسمع موسيقى .. نشاهد افلام ومسرحيات كوميدية .. نضحك ..كثير من الضحك يهون اشياء كثير ، إن للكاتب الايرلندى الشهير برنارد شو عبارة جميلة تقول ( إن سر الاحساس بالتعاسة هو أن يتوافر لديك الوقت لكى تتسائل فيه هل أنت شقى .. أم سعيد ) والاجابة عندك عزيزى القارئ .

No comments: