Monday, April 14, 2008

لست ملاك ( قصة ) ــ







اعترف أننى مخطئة.. مجرمة.. خائنة، قولو كما شئتم عنى.. فلا اريد ان التمس منكم شفقة ولا مغفرة فأنا اعرف اننى امرأة ملعونة.. ملعونة فى الأرض والسماء، ولكن ألا تتفقوا معى ان القدر هو الذى يلعب بنا وما نحن إلا عرائس فى يده يحركها كما يشاء.. لا اخفى عليكم الأن ان ضميرى اصبح آلة تعذيب تعذبنى طول الوقت..طول الوقت، اننى لو استطيع ان اقتل هذا الضمير الذى يعذبنى..الذى يمتص عقلى كل يوم لقتلته وعشت مرتاحة بلا ضمير.. ولكن ألا تروا ان هذا الضمير الذى يعذبنى وجوده فى حد ذاته معى ينغص حياتى ويؤلمنى هو اكبر دليل على اننى لست مجرمة بمعنى الكلمة.. ربما اخطأت..ضعفت ولكننى لست مجرمة الى هذا الحد الذى تتصورنه فى، ثم من منا لم يخطئ فى حياته، فلسنا بملائكة.. ولو كنا ملائكة لِما خلق الله النار..؟ لِما خلق العقاب.. ؟ لقد اطلت عليكم ولكن كان يجب من هذا الاستهلال…. سأقص عليكم قصتى كاملة دون حذف او اضافة منى لشئ يجعلكم تتعاطفون معى..سأجعل ضميركم هو العدالة.. هو القاضى الذى يحكم على.. وانا واثقة من حكمك العادل .. انا اسمى حنان.. حنان عبد الفضيل، بنت من آلاف البنات اللاتى يعشن حياة عادية..بل اقل من العادية، ولعلكم ترون هذا النوع من البنات فى كل بلاد العالم.. البنت التى لا تجد دائما ما تتمناه البنت التى لا تعيش الدنيا ولكنها وجِدت فيها فقط ،، اسرتى مكونة من خمسة افراد.. والدى وهو موظف بسيط فى احدى الشركات الحكومية..شركة الإنشاءات الهندسية ، وحتى اكون صادقة معكم هو فراش.. يقدم القهوة والشاى للموظفين وينظف مكاتبهم فى الصباح قبل ان يجيئوا.. انه خادم.. خادم قطاع عام، ووالدتى لاتعمل تجلس فى البيت لترعى زوجها وبناتها الثلاث وهى امرأة امية. بسيطة ترى ان كل مهمتها فىالحياة ان تُربى بناتها وتنتظر زوجها يأتى من العمل لتُحضر له الغذاء.. وانا واختاى نوال وسارة ..اننا ثلاث بنات او كما يردد ابى ثلاث مشاكل..وانا الأخت الكبيرة العاقلة.. كما تقول امى دائما والتى لابد ان تُقدم التضحية دائما لأخوتها..وهذا لأنها الكبيرة العاقلة ، وهكذا كانوا يعاملوننى دائما على هذا الأساس.. اساس الأخت الكبيرة العاقلة.. وكان على ان اتنازل عن اشياء كثيرة حتى احتفظ بهذا اللقب.. لقب الأخت الكبيرة العاقلة.. كنت اتنازل عن نقودى دائما لنوال وسارة.. واتنازل عن ثمن فستان جديد لى حتى يرتدون هن الجديد.. واتنازل عن ثمن حقيبة جديدة للعام الدراسى ككل البنات واذهب بحقيبتى القديمة بعد ما اُرتق القطع التى بها ليشتروا شقيقاتى حقائب جديدة ..فأنا الكبيرة العاقلة. وكأن الكبيرة ليس لها حق فى اى شئ.. وعشت حياتى مع هذه العائلة فى سلسلة من التنازلات وهذا طبعالأنى الأخت الكبيرة العاقلة.
حتى جاء يوما ..
تنازلت فيه عن اهم احلامى فى ان التحق بالجامعة حتى اقلل النفقات على ابى ليستطيع ان يُنفق على الأختين فى تعليمهما. وتنازلت.. تنازلت عن كل شئ لهما. لنوال وسارة ..لم احس انى لى شئ ابداً فى هذا البيت، كان كل شئ للأختين. حتى بدأت اكرههن.. نعم اكره هاتين الأختين ، ولِما احبهم.. فسبب مجيئهم الحياة تنازلت انا عنها ، واكتفيت بالثانوية وجلست فى البيت. ولم تكتفى العائلة بذلك بل دفعونى لأعمل حتى لا اكون عالة عليهم.. الى هذا الحد من القسوة.. الى هذا الحد من التنازل من الحرمان..يحرمونى التعليم ويطردونى خارج البيت لأعمل ..لأجلب لهم المال حتى اساعدهم فى نفقات الأختين حتى يتعلموا.. وكأننى لست ابنة لهذه العائلة.. لست منهم، ولا انكر عليكم.. فكثير ما كان يجول فى رأسى هذا الخاطر الغريب..لماذا تُعاملنى هذه العائلة بكل هذا الجحود..؟ لماذا لا تُعطينى حقوقى مثل شقيقاتى..؟ لماذا انا دائما التى اتنازل..؟ لماذا. . لماذا..؟ . ربما لأننى لست ابنتهم.. هل من المعقول بعد هذا العمر ان اكتشف ان ابى ليس بأبى وامى ليست بأمى، ويشتد بى هذا السؤال كل ليلة حتى ابكى على فراشى.. ابكى وحيدة . ثم اقرر ان اواجههم بهذا السؤال المجنون.. لعلنى اجد عندهم الإجابة التى انتظرها. اننى لست بإبنتهم ،، ولا تصدقوا.. فكل هذا مجرد خاطر مجنون لا اساس له من الصحة. ربما لأنى
معروفة بحساسيتى الزائدة واقبالى المفرط للحزن.. فأبى هو ابى وامى هى امى . وهذه العائلة هى قدرى ........ واستطاع ابىان بجد وظيفة لى بشهادة الثانوية معه فى نفس الشركة التى يعمل بها..انها وظيفة بسيطة.. بسيطة جدا، ومرت ثلاث سنوات وانا اعمل مع ابى فى هذه الشركة.. اعمل ولا اجد
معنى للحياة. فقد تنازلت عنها لهما.. للأختين ، واُلقى بأموالى القليلة التى احصل عليها من هذا العمل لأمى . كنوع من الإدخار.. ولكنى اعرف جيداً ان لا شئ مما اكسبه من عملى استطيع ادخـاره .. فنوال تريد حذاء جديد وسارة تريد درس خصوصى والبيت ايضا يريد اموال فتأتى امى تعتذر وهى تقول.. سامحينى يا حنان سنضطر ان نأخذ منك هذا الشهر ايضا .. وشهر يُسلم شهر ولا استطيع ان ادخر شيئا لى..دائما اتنازل.. اتنازل عن كل شى لأنى الكبيرة العاقلة.
الى ان كان يوما.........
عندما استدعى فيه مدير الشركة المهندس خالد بلال ابى الى مكتبه وطلب منه ان يتزوجنى .. طلبنى كأنه يطلب فنجان قهوة من ابى وهومتأكد انه لا يستطيع ان يقول لا.. لقد رأنى المهندس خالد اكثر من مرة امامه صدفة..مجرد صدفة. فلم يكن من طبيعة عملى ان التقى به.. إن عملى بالشركة بسيط جدا لا يرقى لأن يصل لمديرها واراه وجها لوجه إلا اذا كانت صدفة ..وكانت هذه الصدفة المتكررة التى جمعتنى به.. لقد اُعجب بجمالى وشبابى وربما فقرى .. وهو ارمل منذ اكثر من عشر سنوات ويكبرنى بأكثر من خمس وثلاثين سنة .. لم يفكر فى الزواج بعد زوجته واكتفى بأن يعيش مع ابنائه منها ومع زكريات يحملها فى قلبه..انه من هؤلاء النوع من الازواج ..الأزواج المخلصين.. ولكنه تعب من اخلاصه خصوصا ان اولاده كبروا ولم يعد منهم من يحتاج الرعاية.. إن له ابنه متزوجة حديثا اسمها منيره تسكن مع زوجها الاستاذ الجامعى فى مدينة اخرى ، وابن مازال طالب فى كلية الهندسة..ماجد ويعيش معه.. وكثيرا ما كان يلح عليه الاصدقاء والأقارب ان يتزوج حتى لا يقع فريسة الملل خصوصا ان ابنائه تخطوا مرحلة الطفولة واصبح كل منهم قادران يعتمد على نفسه فأبنته تزوجت وسنوات قليلة وابنه ماجد
سيتزوج ويتركونه وحيداً.. وهو يمر بفترات متقطعة من المرض ويحتاج لإمراة بجانبه فىهذه الايام من حياته.. يحتاج لخادمة اكثر منها كزوجة وكان من الممكن ان يأتى بخادمة.. ولكن ان يتزوج فتاة مثلى .. ابنة فراش الشركة التى هو مديرها هو امر اسهل وارخص من ان يجلب خادمة على الرغم من انه قادر ان يأتى بخادمة بل ثلاث.. انـه غنى ، والخادمات اصبحوا مشاكل فى هذه الايام.. فزوجه فقيرة حل اسهل ولن تمد له يدها كل شهر تطالب بأجر نظير خدمتها والأكثر من ذلك سيجمعهما فراش واحد كل ليلة ليستمتع بها.. انها ثفقة مربحة، زوجة وخادمة معا .. ولم يجروء ابى على رفض الثفقة..لقد كان فرِحا بها.. فرحا بأن مدير الشركة التى يعمل بها فراشا سيتنازل ويصاهره.. وطبعا ستعم الفائدة على العائلة كلها.. ربما سيدفع مهرا يليق بمدير عام. يعينه على تربية الاختين ويجعله يرقى بمعيشته وربما وجد بعلاقته عملا يليق بإخوة زوجته نوال وساره بعد ما يتخرجن من الجامعة .. وربما اعطاه شقة جديدة من الشقق التى تمنحها الشركة للعاملين ..لابد انه سيفعل كل هذا.. طبعا لن يرضى بأن تعيش عائلة زوجته فى شقة متواضعة حقيرة.. سيكون رخاء وهناءالعائلة بهذا الزواج.. وجلس ابى يومها يُقنعنى بهذا الرخاء الذى سينهال على العائلة وهذا الهناء الذى سيهبط عليها بكلمة واحدة منى . وامى صامتة لا تتكلم.. لاموافقة ولارافضة.. انها لاتستطيع ان تقول كلمة ضد رغبة والدى حتى لو كانت نفسها تتحدث بها. هكذا تعلمت وعاشت عمرها مع ابى.. ان الرجل له الكلمة العليا.. وان الرجال قوامون على النساء ، وابى مازال يُقنعنى.. وامى صامتة.. دائما صامتة. وانا ارفض الفكرة..كيف اتزوج رجل يكبرنى بأكثر من خمس وثلاثين سنه.. لمن كل هذا.. لأرضى العائلة..لأتنازل لها عن بقية الحياة.. لقد تنازلت لهما عن الماضى .. هل اتنازل عن المستقبل ايضا، وحاولت.. حاولت كثيرا ان اقنع ابى بأن مثل هذا الزواج لن ينجح ابدا ..ان الأموال التى ستأتينا لو قبلت هذا الزواج ليست كل شئ ولن تكون تعويضا كافيا لهذا الظلم .. ثم نحن نعيش حياة عادية.. لسنا شحاذون حتى ننتظر اموال تعيننا لنبقى على قيد الحياة.. وباءت محاولاتى سدى فى اقناع ابى.. لقد جاء القرار بالموافقة. وكأن ابى اصدر فرمانا بالإعدام.. بأعدام واحدة منهم حتى تحيا بقية العائلة. وتزوجت خالد بلال.. مرغمة.. مستسلمة..وتنازلت عن بقية احلامى.. دائما التنازل صديقى اللدود. وانتقلت الى منزله.. لا انكر انه كان منزل اكثر فخامة بكثير من منزلنا المتواضع منزل يليق فعلا بمدير شركة..ولا انكر ان الرجل كان يعاملنى معاملة طيبة.. لكن ليس بالمال نشترى الحياة.. انه يساعدنا عليها فقط لكنه لايستطيع شرائها.. فهناك كثير من الأثرياء تعساء مع اموالهم.. لم يستطعوا شراء لحظة سعادة واحدة بكل ثرائهم ، لقد كان خالد متعبا دائما منهك القوى بحكم سنه ..لم يكن فى استطاعته ان يروى جسد فتاة فى العشرين ..وعشت معه ايامى كممرضه اكثر منها كامرأة متزوجة.. امرأة تحتاج لحنان رجل يعوضها عن عمر من التنازلات.ولم يكن خالد بلال فى استطاعته التعويض .. انه يشترى المحوهرات ويغدق على بالهدايا..ويمنح ابى مساعدات مالية دون ان يطلب منه ابى لتعينه على نفقات اختاى . ويضع اسمه دائما على رأس قائمة المكافأت المالية فى الشركة. واستطاع ان يجد عمل بمرتب مجزى لشقيقتى نوال فى احد البنوك بعد ما تخرجت من كلية الحاسبات والمعلومات.. لا انكر انه فعل الكثير من اجل ازدهار عائلتى. وإلا اكون امرأة ناكرة للجميل.. ولكن ما كان ينغص على ايامى.. واشعر بتهاون فى حقه.. هو شبابى .. شباب امرأة فى العشرين وهو يضيع بين يدى عجوزفى الستين ..لقد مر على زواجنا ثلاث سنوات..تحملتها فى تنازل. كنت احاول فيها ان اقنع نفسى يوميا بأن هذا قدرى..وربما لو تزوجت شابا فى سنى لما كان فى استطاعته ان يجئ بما جاءه لى خالد..واحاول اقناع نفسى كثيراً بأن الإنسان لا يستطيع ان يأخذ كل شئ فى الحياة.. الحب والمال..انهما لا يجتمعان معا.. واتعب كثيرا فى محاولتى بالاقناع حتى استسلم للفكرة التى تؤرقنى .. اننى تنازلت..تنازلت اكثر من اللازم..تنازلت مع عائلتى وانا صغيرة لأننى الأخت الكبيرة العاقلة.
وتنازلت عن حلم ان اكون فتاة فى الجامعة من اجل عائلتى ايضا اوعلى الأدق من اجل نوال وسارة لأننى دائما الأخت الكبيرة العاقلة.. دائما العاقلة.. وتنازلت مع هذا الزوج عن شبابى . عن اجمل سنوات العمر.. هل كل هذا الذى يحدث معى لأننى دائما الأخت الكبيرة العاقلة..؟.. لا اريد هذا العقل الذى جعلنى فى تنازل مستمر.. اريد ان اصبح مجنونة.. مجنونة.. مجنونة، اريد ان انطلق للحياة .. اعيش الحياة ، لكن مع من انطلق..؟ مع من اعيش..؟ . اننى حبيسة داخل هذ المنزل الفخم .. الى ان تفتق ذهنى وقتها بأن اخرج للحياة . فمنذ تزوجت خالد وقد رفض ان
اعمل فى الشركة معه..وطبعا له حق، وانا جليسة فى البيت..فى حياة منظمة رتيبة يشوبها الملل فأنا وخالد وابنه ماجد طالب الهندسة. انه الأن فى السنة النهائية .. نغرق فى هذا النظام وهذه الرتابة وهذا الملل ..لقد تعودا هذه الحياة وعودونى معهم عليها.. لاشئ جديد ..اليوم كأمس كغدا، وقررت ان اعود للدراسة واستكمل دراستى الجامعية.. لم يرفض خالد ولو حدث ورفض.. كنت سأجعله يقبل وهو بنفسه الذى سيُقدم اوراقى بالجامعة.. لقد اصبحت اعرف مفاتيح شخصيته جيدا.. إن الزوجة التى تريد زوجها خاتما فى اصبعها..لابد ان تبحث عن مفاتيح شخصيته.. ان لكل زوج فى العالم مفاتيح مهما علا قدره وعظم شأنه..ولو عثرت الزوجة على هذه المفاتيح . سيعيش زوجها دائما بين اصابعها . وذهب خالد بنفسه يُقدم اوراقى بالجامعة من جديد.. وبدأت الدراسة.. بدأت حياة جديدة.. حياة الجامعة.. اولاد وبنات يسيرون وايديهم متشابكة وكأنهم عصافير يحلقون فى سماء الخيال .. سماء الحب .. انهم مازالوا فى عمر الحب.. عمر المشاعر البريئة والأحلام الساذجة ، انهم لم يقعوا بعد فى صدام مع الحياة.. لم يروا الوجه الحقيقى لها.. ربما لم يتنازلوا بعد عنها.. لعلهم مجانين.. يرون الدنيا بعيون العشاق.. العيون التى لا ترى إلا الجمال.. إلا الحب العذرى العفيف.. إلا القصور التى يرسموها فى خيالهم.. وكأن الحياة تضحك لهم . غدا سيرون الحياة.. عندما يتلاشى الحب ويحل مكانها المادة .. التى اصبحت هى الأساسانك تساوى كذا لإنك معك كذا.. انهم مساكين يجهلون ما تخفى لهم الأيام.. وقد غِرت.. غِرت كثيرا منهم ومن هذا الحب العفيف.. ومن هذه الأحلام الساذجة وتمنيت ان اصبح مثلهم مجنونة .. مجنونة. فهذه فتاة تركض مع صديقها فى حب وهذا ولد يأخذ ركنا مع صديقته ويتكلم فى همس.. تُرى ماذا يقول.. لعله يرسم لها احلام فى السماء.. وتمنيت ان اجد هنا صديق اركض معه ويأخذنى فى ركن ويهمس فى اذنى بكلمات..بأحلام يرسمها فى السماء، ولكن لم اجد هذا الصديق .. ربما يشعرون اننى اكبرهم سنا ولذا يتعاملون معى على اننى عاقلة.. انهم يتعاملوا معى فى ادب شديد ولست مجرد زميلة لهم..يبدوا اننى سأكون الكبيرة العاقلة دائما حتى هنا. كنت اتمنى ان اكون مثل باقى فتيات الجامعة اسير مع صديق ونتحدث معا فى الدراسة وفى الدنيا وفى المستقبل وربما يدعونى ان نذهب الى السينما بعدها كما يفعل طلاب الجامعات دائما.. ولم اجد من يتحدث معى فى الدراسة او الدنيا او المستقبل او من يدعونى الى السينما .. لقد خاب املى فى ان اجد من تتشابك يدى فى يده واسير معه نتشاور فى محاضرة الدكتور ثم نركض بعدها فى حديقة الجامعة كالمجانين .. هذا الجنون الذى ينطلق من روح الشباب.. وفضلت ان اكمل دراستى فى المنزل فما رأيته زاد من احساسى بأننى الأخت الكبيرة العاقلة .. لا اريد هذا العقل.. لقد تعبت من العقل.. تعبت .. تعبت كثيرا، واكتفيت بالمذاكرة فى المنزل.. اننى ادرس فى كلية الاداب قسم علم النفس.. ولعل ما اعجبنى فى هذا القسم انه يدرس النفس البشرية منذ بداية الخليقة وحتى الأن.. فمن خلال ما قرأته اتضح لى ان نفس الإنسان واحده لم تتغير منذ الآف السنين.. فالشر موجود والخير موجود والغريب ان الأثنين متواجدين فى كل انسان.. فأعتى المجرمين بهم جانب من الطيبة والخير واكثر الناس احسانا وحبا للخير بهم جانب من الشر .. ولكن تراوح النسب فى كل انسان من الخير والشر هو الذى يميزهم.. وهذا دلالاته انه لا يوجد الشر المطلق او الخير المطلق.. وهذا ما ادهشنى فى دراستى وجعلنى اذوب فى حبها ..انها تعلمنى الحياة.. وما الحياة إلا بالانسان ودراسة نفسية الإنسان تجعلك تفهم الحياة.. هذا اللغز القديم . رائعة دراستى اليس كذلك .. ولكن ما كان يعكر صفو شغفى بها احيانا تلك المصطلحات اللاتينية.. وقراءة بعض الابحاث والكتب بالانجليزية.. وكنت الجأ وقتها لماجد ابن زوجى.. انه يجيد الانجليزية والفرنسية اجادة تامة.. وكان لقائى معه يوميا ليعطينى دروسا فى اللغة ويترجم معى بعض المصطلحات الانجليزية التى لا افهمها.. ووالده يشاهد التلفاز او يقرأ كتاب فى الخارج ثم يمر علينا بين الحين والآخر وهو مبتسم وسعيد وكأنه مدير مدرسة يطمئن على سير العملية التعليمية فى مدرسته.. واقتربت من ماجد اكثر فى هذه الأيام بسبب هذه الدروس ورأيته كما لم اره من قبل.. انه وسيم.. انيق.. جذاب هذه الجاذبية التى تسحر الفتيات.. جسد رياضى ..عضلات مفتولة.. ذو لباقة فى الكلام.. ثقافة واسعة..واجادة لأكثر من لغة.. مهتم بالأحداث السياسية فى العالم بل ويحلل كل حدث يمر عليه تحليلا منطقيا.. لقد عشت سنوات معه ليست بالقليلة تحت سقف واحد ولكنى لم اكتشفه إلا هذه الأيام. ولم اشعر بإرتياح له إلا فى هذه الايام.. ولعل ما كان يجذبنى فيه هذه الهاله التى تحيط به دائما.. هالة من الغموض والحزن جعلته اكثر اثارة.. اكثر قربا لى.. وهو مؤدب .. مؤدب جدا. فلم اتذكر يوما يوما انه حاول ان ينظر لىنظرة شاب يحمل شبابه وعنفوانه الى امراءة لا يتعدى فرق السن بينهم ثلاث سنوات.. فمهما حاول الشاب فى هذا العمر ان يتظاهر بالأدب امام امراءة قد يحدث وتفلت منه نظرة، نظرة الرجل لإمراءة ، وابدا مارأيت منه هذه الفلته وهذه النظرة .. كان مؤدب.. مؤدب.. وكان حزينا، دائما يتكلم بصوت خفيض وكأنه يهمس . وقد آسرنى حزنه.. ربما وجدت فيه نقطة التقاء بيننا. الحزن والحرمان.. انه حُرم من والدته وهو مازال طفل صغير..وانا حُرمت من الحياة وتنازلت عنها وانا صغيرة.. تنازلت عنها لأختاى.. وبدأت افكر فى ماجد دائما.. اتخيله يركض معى وتتشابك ايدينا فى حب ..ثم اراه يأخذنى فى ركن بعيد عن عيون الناس ويهمس فى اذنى بكلمات.. بأحلام يرسمها بخياله فى السماء.. كالذى يحدث بين طلبه الجامعة.. واصبحت افكر فيه كثيرا.. كثيرا.. اصبحت فى حالة ادمان من هذا التفكير الذى يمتص كل عقلى ويملأ قلبى حبا.. حتى انه لم يعد لوالده مكان في هذا القلب.. ويزداد احساسى به كل ليلة.. كل يوم .. احساس بشبابى يستغيث بشبابه وحب كبير يناجيه.. يدعوه..يريده ، لقد اصبحت احب كل شئ فيه وسامته .. ثقافته..شبابه وجاذبيته.. حتى حزنه اصبحت احبه.. كل شئ منه احبه.. نعم انها الحقيقة.. لقد احببت ابن زوجى .. واحيانا ارفض الفكرة واحاور النفس حتى اهدأ.. ارجعى الى عقلك يامجنونه.. اعقلى .. إن هذا الاحساس سيقودك للجنون.. إن هذا الذى تسميه حبا.. الى اين سينتهى بك..انتى زوجة .. وزوجة لمن لأبيه .. عودى لصوابك.. اعقلى .. اعقلى ، ولكنى لا استطيع ان اعود لصوابى او اعقل.. لقد اصبحت كطفلة تعلقت بلعبة.. وهذه الأفكار تفترسنى كل ليلة وتنال من خيالى.. لم اعد احس بشئ.. إلا بهذه الأفكار.. لم اعد بوالده وانا بين ذراعيه.. لم اعد احس بعمرى الذى ضاع منى فى تنازلات.. لم اعد احس بشبابى المهدور وهو بين عجوز.. لقد بدأت احس بشبابى يعود بنضارته وحلاوته ومرحه.. يعود وانا معه.. مع ماجد.
حتى جاء يوما.....اشتد بى شبابى .. هذا الشباب الغارق فى التنازلات والحرمان.. وحملت هذا الشباب الى ماجد وكأنى استغيث معه به.. ولبى ماجد لإستغاثتى.. ضعفنا نحن الإثنين.. ضعفنا امام نقطة الإلتقاء التى بيننا.. الحرمان والحزن.. لقد وجد في تعويض عن حنان الأم التى حُرم منها ووجدت فيه انا التعويض الكافى عن عمر من التنازلات.. لقد وجدت فيه عمرى كله.. وتعددت ايام الضعف.. لقاءات الضعف.. وانا مستسلمة معه للشيطان يفعل بنا كما يشاء.. لقد تحول الشاب المثقف المؤدب الذى آسرنى بحزنه الى كيان ظمآن.. ظمآن دائما مهما حاولت اطفاء هذا الظمأ فيه لايروى ابدا.. واهمل دراسته .. وانا ايضا اهملت دراستى التى احبها لنرتوى معا من نهر الحبالى ان كانت هذه الليلة..هذه الليلة التى شعرت فيها ببعض التعب والاغماء..فذهبت للطبيب.. وهناك صُدمت.. انا حامل صُدمت بهذا الخبر والذى من المفروض ان تفرح به اى امراءة.. تفرح انها ستصبح اما.. لكن كيف وانا اعرف من هو ابوه.. انه ماجد ابن زوجى.. هل اقتل هذا الأبن القادم قبل ان يخرج للحياة.. ويجلب لى العار والخزى .. ام اتركه يجئ ويعيش عمره مخدوعا فى اب ليس ابوه.. ان ماجد نفسه لا يستطيع ان يعرف انه ابا لهذا الإبن.. المراءة هى الوحيدة التى تعرف من يكون والد ابنها.. وعدت للمنزل وسحب من الأفكار السواد تلاحقنى.. ماهذا العذاب.. هل اتنازل ايضا هذه المره.. اتنازل عن قطعة منى.. عن ابنى ، واذا تركته يجئ الحياة.. هل سيعيش عمره مخدوعا فى اب ليس ابوه بينما اخوه هو الأب الحقيقى له.. يالا المصيبة .. يالا المصيبة .. ماذا افعل يارب .. انا اعرف اننى مخطئة لكن ماذنب خالد زوجى .. ما ذنب هذا الطفل لو قتلته وهو فى احشائى..ماذنبه.. انه روح..انت خالقها يارب..قف معى ارجوك.. انا لااستطيع انا اعترف بهذه الحقيقة لأحد حتى امى لا استطيع ان اعترف لها.. ماذا اقول لها.. اخطأت مع ابن زوجى ، سأعيش بهذا السر .. بهذا العذاب الى متى .. لكن إن لى شريك لابد ان يعلم.. ولكن ماذا سيحدث لو علم ان له ابنا فى احشائى .. فى احشاء زوجة ابيه..؟ لن يستطيع ان يقف امام والده ويعترف له بالحقيقة.. ولا انا .. من يجرؤ يقول هذا الكلام.. انه الجنون نفسه.. اذن لا يبقى إلا ان اخدع زوجى.. اخدع هذا الزوج الطيب .. ولكن ماذنبه ان يُخدع فى اقرب الناس اليه.. ابنه وزوجته.. انه لا يستحق منى كل هذا.. هل اقتل هذا الجنين فى بطنى وارتاح من هذا العذاب ..؟.. اقتل ابنى.. لا استطيع .. إن هذه الأفكار اصبحت ضجيجا فى رأسى وطمست عقلى .. لم يعد فى عقل لأفكر به.. لقد تعبت من التفكير .. تعبت .. تعبت .. يجب ان يساعدنى عقل آخر.. ومن غيره..؟ ماجد.. لعل ثقافته تلهمه الحل.. وذهبت له واعترفت امامه.. اعترفت بأن قطعة منه تسكن فى احشائى.. ولم يتكلم.. وصرخت فيه.. افعل شيئا.. ولم يتكلم.. وضربته بكل قواى.. افعل شيئا.. ولم يتكلم.. كان مذهولا واجما وكأن الخبر قطع لسانه وتركه اخرس.. حتى افاق بعدها من ذهوله ورفع يده وصفعنى ثم صفعنى مرة ثانية وثالثة ورابعة.. وتركته يصفعنى انا استحق اكثر من ذلك .. وتوقف عن صفعى وجلس يبكى امامى .. يبكى كالأطفال وهو يقول فى ذل:- مجرمة.. مجرمة.. مجرمةثم جرى من امامى.. ترك البيت وذهب والى الأن لم يعد ولا احد يعرف عنه شيئا.. .. ومرت الشهور.. تسع شهور.. وانجبت ولدا .. انجبت لحظة ضعفىالوحيدة.. انجبت خطيئتى الوحيدة التى تكبر امام عينى يوما بعد يوم.. وزوجى فرحا به.. مسكين ..انه مخدوع .. لقد خدعته وتركته يفرح بهذه الخدعة.. الى هنا انتهت قصنى ولم ينتهى العذاب.. لم ينتهى وخز الضمير..سأترك الحكم لكم بعدما قرأتم قصتى كاملة التى لم اضيف او ازيل فيها شيئا يجعلكم تتعاطفوا معى..ولكن مارأيكم.. هل انا مجرمة.. ام مجرد امراءة سقطت فى لحظة ضعف.. ضعف من الحرمان والتنازلات ولو كنت مجرمة.. لما اشعر بهذا العذاب.. عذاب الضمير كل يوم.. كل ساعة.. كل لحظة فى حياتى.. لست مجرمة.. إن المجرم لا يحس بأنه ارتكب جرما لأنه يظن ان ما يفعله هو على حق فيه.. لذلك لاياخذه شفقة ولا رحمة بضحاياه..وانا اعرف اننى لست على حق. واعرف ايضا اننى لست ملاك.
" تمت "

No comments: